يحتفل الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) اليوم بمرور أحد عشر عاماً على توقيع الميثاق التأسيسي للمنظمة في 25 تشرين الأول عام 2014، وهي السنوات التي كرّس خلالها آلاف المتطوعين جهودهم لإنقاذ الأرواح وبناء مستقبل آمن يعمه السلام في سوريا.
في مثل هذا اليوم من عام 2014، وقّع 70 من قادة الفرق التطوعية المنتشرة في أنحاء البلاد الميثاق التأسيسي للدفاع المدني السوري، ليجتمعوا تحت رؤية واحدة وميثاق موحد للمبادئ الإنسانية، مؤكدين التزامهم بالعمل تحت مظلة القانون الدولي الإنساني. ومنذ ذلك التاريخ، أصبحت “الخوذ البيضاء” رمزاً إنسانياً في سوريا تحمل شعار ” ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.
تأسست فرق الدفاع المدني في بداياتها من أبناء الشعب السوري — من أطباء، ومحامين، وطلاب، وعمال — اجتمعوا منذ عام 2012 لمواجهة آثار القصف الجوي والبري الذي تسببه النظام المخلوع ، وسدّ النقص في الخدمات الأساسية. وبعد سقوط النظام المخلوع تم استحداث وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث في حزيران 2025 جرى دمج فرق الدفاع المدني ضمن هذه الوزارة لتواصل مهامها الأساسية في مجالات الإنقاذ والإسعاف والإغاثة المجتمعية.
نشأت من رحم الألم..
وفي حديث لوكالة “سانا” أوضح وزير الطوارئ وإدارة الكوارث “رائد الصالح”، أن هذه المنظمة نشأت من رحم الألم، وتحوّلت إلى ذراع وطنية فاعلة في إدارة الكوارث، رغم غياب التمويل، وحملات التشويه، والاستهداف السياسي، لتبقى شاهدة على قدرة السوريين على التنظيم والمبادرة، حتى في أقسى اللحظات.

وقال الصالح: “في البداية تشكّلت فرق تطوعية من أبناء الشعب السوري، تضم أطباء، ومحامين، وطلاباً، وعمالاً بمهن أخرى تحت مسميات محلية متعددة، منها “الهيئة العامة للدفاع المدني” في الغوطة بريف دمشق، و”فوج الإطفاء الحربي” في حمص، و”الدفاع المدني الحربي” في حلب، وفي عام 2013، تم ترتيب لقاء جمع 72 قائداً من فرق الدفاع المدني، حضر بعضهم، والبعض الآخر عبر الإنترنت من المناطق المحاصرة، وتم خلاله توقيع الميثاق التأسيسي للدفاع المدني السوري، الذي عُرف لاحقاً باسم “الخوذ البيضاء”، قبل أن يندمج رسمياً ضمن وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث.
إنقاذ 128 ألف مدني وارتقاء 325 متطوع..
وأضاف الصالح: خلال كارثة الزلزال في شباط 2023، كان للدفاع المدني السوري دور محوري في إيصال صوت المناطق المنكوبة إلى العالم، ما ساهم في فتح المعابر بعد ستة أيام من الكارثة، وإدخال المساعدات الإنسانية، وحقق إنجازاً في عمليات الإنقاذ رغم الإمكانيات البسيطة.

وحول مواجهة فرق الدفاع المدني للحرائق التي اندلعت هذا الصيف في الساحل السوري وغيره من المناطق، ذكر الصالح أن الفرق عملت على مدار الساعة بمساعدة فرق داعمة من عدة دول، وقدمت تضحيات بالأرواح خلال عملها، وتوزع عملها على خطوط النار، وإزالة الألغام، وفتح الطرق، حتى نجحت بالسيطرة على الحرائق وإخمادها، وكل ذلك وغيره من الأعمال الإنسانية، ساهم في مد جسور من الثقة بين المجتمع والمؤسسات.
وأشار الوزير إلى أن المنظمة خلال مسيرتها، أنقذت أكثر من 128 ألف مدني، وارتقى 325 متطوعاً من فرقها، ولا تزال تعمل بكل مسؤولية، في أي مهمة توكل إليها.
التحضير لبرامج تدريبية..
بعد اندماج الدفاع المدني ضمن وزارة الطوارئ، بدأت مرحلة جديدة من التنظيم، يقول الصالح: تم ضم فرق الدفاع المدني وأفواج الإطفاء، والعمل جار على استقطاب كوادر جديدة بالتعاون مع وزارة التنمية الإدارية، ضمن إطار قانوني حكومي، كما تم إطلاق تدريبات ومناورات مشتركة مع الدفاع المدني القطري والفرنسي، ويتم التحضير لبرامج تدريبية في السعودية والأردن، بهدف تطوير القدرات وتعزيز مرونة العمل الإنساني والمجتمعي.
وختم وزير الطوارئ حديثه بتوجيه رسالة محبة واعتزاز، إلى متطوعي الدفاع المدني، قال فيها: “شهداؤنا هم سراجنا في العتمة… ضحّوا بروحهم لنكمل الطريق، ونبني دولة على أسس صحيحة من الإدارة والحوكمة والعدالة”… في كل محنة يظهر بطل… وفي كل كارثة ينهض الشعب السوري ليكون أول المستجيبين، وأول الداعمين”.
وبعد أحد عشر عاماً من التأسيس، تواصل المنظمة عملها ضمن وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث، وتعمل على تطوير قدراتها، وتوسيع نطاق تدريبها، لتبقى شاهداً حياً على إرادة الإنقاذ، وروح التضحية، والقدرة على البناء ومواجهة المحن.